أهلا و سهلا
تعكس العناوين الرئيسية في الصفحات الأُولى من الصحف في دول العالم الثالث بالذات كيف أن لقاءات الحاكم والخُطَب التي يلقيها والإجتماعات التي يعقدها مع أقرانه من حكام العالم تتقدم على أي أخبار عدا إستثناءات عابرة.
كما أن العناوين في صحف الدول المحكومة بأنظمة ثورية تقرن الإشارة إلى مضمون الحدث، خطاباً كان أو إجتماعاً، بنوع من الأوصاف تربطها بشخص الحاكم، وفي هذه الحال يصبح العنوان الرئيسي للصفحة الأُولى من الصحيفة نوعاً من التمجيد أكثر منه عنوان الحدث المهم. وفي هذا الأمر تتميز صحف عراق الحقبة الصدَّامية عن غيرها في مسألة العنوان التمجيدي. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن عناوين الصفحات الأُولى التي وثَّقناها كصور حفلت بالعناوين الآتية: الرئيس صدَّام حسين معجزة خارقة في الحرب والسلم (مانشيت الصفحة الأولى لصحيفة «القادسية» ليوم الجمعة 10 مارس/آذار 1989). وهذا العنوان هو تصنيف الصحيفة التي تصدر عن وزارة الدفاع للمقابلة التي أجراها رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط» عثمان العمير مع الرئيس صدَّام حسين.
وأما العنوان الرئيسي (المانشيت) للصفحة الأُولى للمقابلة التي أجراها رئيس تحرير صحيفة «الأهرام» إبراهيم نافع وأعادت نشْرها صحف العراق ومنها صحيفة «الثورة» يوم السبت 9 مارس/آذار 1988 فكان «طوَّرنا صاروخ الحسين إلى 850 كيلومتراً».
ووضعت صحيفة «الجمهورية» عدد الجمعة 24 فبراير/شباط 1989 حول زيارة قام بها الرئيس صدَّام ترافقه زوجته السيدة ساجدة إلى البصرة والفاو المحررة العنوان الآتي: «مدينة المدن تتألق بلقاء قائد النصر والسلام». ومن العناوين اللافتة أيضاً: «الحسين يثأر لشهدائنا. العالم كله يشيد بقيادة المنصور صدَّام حسين لملحمة تحرير الفاو. بنصر مِن الله وحكمة القائد العظيم صدَّام حسين حررنا الفاو. القائد المنصور يأمر بتسمية صاروخنا الجديد صاروخ العباس». ولمناسبة عيد ميلاد الرئيس صدَّام الواحد والخمسين وضعت صحيفة «القادسية» عنواناً رئيسياً (مانشيت) للصفحة الأُولى من عددها الصادر الخميس 28 نيسان/أبريل 1988 بيتاً من قصيدة للشاعر لؤي حقي هو «فجْرٌ رعاه الله في أحداقنا.. عُمر العراق وعُمره سيَّان». ومع العنوان مقال إفتتاحي لرئيس التحرير عبدالجبار محسن جاء فيه: «أعترف أمامكم وللتاريخ أيضاً أن كلمات مثل (الحكيم الشجاع، الوفي، المناضل لم تعد تروي الغليل ولا سيما بالنسبة لمن يدرك البطولة ويعشقها آن معاً. والآن نوقن جميعاً ويوقن الناس من حولنا أن ميلاد صدَّام حسين كان ميلاد شعب وإيذاناً بإنبعاث أمة...».
ولم يحدُث أن كانت عناوين الصفحات الأولى من كل صحف العراق للعدد الصادر يوم الإثنين 27 ويوم الثلاثاء 28 من شهر مارس/آذار 1989 بهذا التميز التفضيلي حول الزيارة التي قام بها الملك فهد بن عبدالعزيز إلى بغداد ثم منها إلى القاهرة. وكان التركيز حول توقيع الملك والرئيس إتفاقيتيْن للتعاون وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وإستخدام القوة والتنسيق الأمني. هذا عدا الصور للتوقيع ثم للتوسيم وللهدايا المتبادَلة، في مشاهد تحدُث للمرة الأولى بين العراق الصدَّامي والمملكة العربية السعودية وفيها ظهرَ صدَّام على الملأ بالزي العسكري في اليوم الأول للزيارة وبالزي العربي كوفية وعقالاً وعباءة في اليوم التالي. ويبقى عنوان صحيفة «الثورة» من عددها الصادر يوم وصول الملك فهد إلى بغداد (السبت 25 مارس/آذار 1989) حاضراً لزمن طويل في الذاكرة. والعنوان هو «أهلاً بالضيف الكبير الملك فهد بن عبدالعزيز» مع مقال إفتتاحي بعنوان «عرس عربي في بغداد».
وتبقى إستكمالاً بالنسبة إلى ظاهرة العناوين في الصحف العراقية وبالذات لما يتعلق بالرئيس صدَّام الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى العناوين (المانشيتات) الآتية: «شخصيات دولية: صدَّام أكبر شخصية قيادية في القرن العشرين»• «مبادرة كريمة لقائدنا: نفط العراق مجاناً للمحتاجين من بلدان العالم الثالث»• «آمالنا بالمستقبل صافية.. لا تشوبها شائبة»• «شعب العراق وجيشه لن يُهزما.. أُضربوا أيها النشامى فقد جاء يوم اللقاء»• «الرئيس القائد: رصيد البعثيين رضا الله والناس»• «تَبارك القائد.. تَبارك النهر.. تَبارك العراق»• «في أم المعارك إرتفعت راية الحق وإنهزم المعتدون.. يا محلا النصر بعون الله»• «قاتلوهم.. سيكون النصر لكم مع العزة والكرامة والمجد»• «القائد: صفحات التوازن تتهاوى الواحدة بعد الاُخرى»• «القائد: العالم يقف مبهوراً أمام الصمود الأسطوري لشعب العراق»• «عيدكم الأكبر قريب.. بقي عليكم ما يبقى على المؤمنين في العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك»• «الرئيس القائد: الخير آت.. الخير آت.. وطنية العراق بعمق تاريخه العميق»• «الرفيق القائد صدَّام: سنجعل الأميركان يسبحون بدمهم إذا تورَّطوا»• «القائد: إما قبول يسُّر الصديق.. وإما رفضٌ يغيض العدى».
وتستحق عناوين (مانشيتات) صحف العراق اليوم الجمعة 17 آب/أغسطس1990 وقفة تأمُّل وتعجُّب. وبقراءة هذه العناوين على نحو ما جاءت عليه عناوين صحيفة «الجمهورية» يتضح ما نقوله «الرئيس القائد صدَّام حسين يوجَّه رسالة مفتوحة إلى الكذَّاب بوش رئيس أميركا: ستُهزمون.. وتسقط عن كرسيك يا بوش. أكثر ما تكرهونه هو صِدْق الرجال وأكثر الرجال كُرهاً عندكم هو صدَّام حسين. نصلِّي لكي لا يصطدم الجمعان. ألوف الأميركان سيأتونكم في نعوش حزينة». وبعد ستة أشهر إستكملت صحيفة «القادسية» التهديد بعنوان رئيسي (مانشيت) للصفحة الأولى من عدد الإثنين 11 فبراير/شباط كان عبارة للرئيس صدَّام أوردها في كلمة وجَّهها إلى الشعب العراقي، وهي «بكامل الإستعداد بسلاح فتاك سنجعل المنازلة نهاية الأمبراطورية الأمريكية». وإلى هذه العناوين كانت هنالك قصائد شعراء مبهورين بقيادة صدَّام حسين أحدهم عبدالرزاق عبدالواحد الذي نشرت له «القادسية» وعلى صفحة كاملة من عددها ليوم الثلاثاء 14 آب/ أغسطس 1990 قصيدة بخط يده وبعنوان «بلى إنها حرب صليبية أُخرى» بدأها بأبيات. وفي العدد نفسه وبشكل بارز نص رسالة من زوجة الرئيس صدَّام إلى المرأة العراقية وتضمينها عبارة «سوف نكون البادئات بالنفس ولا خير في مَن لا يبدأ بالنفس».
ومن باب المقارنة نرى صحف الكويت ولمناسبة الزيارة التي قام بها الرئيس جورج بوش (الأب) إلى الكويت تتعامل في تغطيتها وعناوين (مانشيتات) صفحاتها وبالذات الصفحة الأُولى على نحو أسلوب صحف العراق. وعلى سبيل المثال عنوان صحيفة «القبس» عدد الأربعاء 14 أبريل/ نيسان 1993 وهو «يصل عصر اليوم على متن طائرة كويتية بديلة. جورج بوش في قلب الكويت». وعنوان صحيفة «الأنباء» في اليوم ذاته «عساكم سالم.. ما قصَّرت» مع ملف من ست عشرة صفحة من صور ومقالات بعنوان رئيسي «جورج بوش.. صفحة خالدة في تاريخ الكويت».
كما يبقى إستكمالاً لظاهرة العناوين اللافتة في ما يخص محنة العراق الإشارة إلى العنوان (المانشيت) في صحف سعودية لواقعة القبض على صدَّام عنوان الصفحة الأُولى من صحيفة «الشرق الأوسط» عدد الإثنين 15 ديسمبر/كانون الأول 2003 «إعتقال صدَّام في حفرة العنكبوت بدون مقاومة»، ومانشيت الصفحة الأُولى من «الحياة» في اليوم نفسه وكان «لم يقاوم... ولم يندم»، ومانشيت صحيفة «الرياض» كان: «أخيراً.. صدَّام حسين.. أسيراً» ومانشيت صحيفة «عكاظ» كان: «زوجة صدَّام حسين تقبض 25 مليوناً ثمناً لرأسه»، ومانشيت صحيفة «المدينة» كان «700 محمول من (الثريا) أوقعت صدَّام في الفخ الأمريكي»، ومانشيت صحيفة «الجزيرة» كان «القبض على صدَّام حسين في حفرة بتكريت»، ومانشيت صحيفة «الوطن» كان: «قبو الأقدام الستة يُخفي الرئيس الهارب ومعه رشاشان و750 ألف دولار». وأما صحيفة «السفير» اللبنانية فكان عنوان صفحتها الأُولى: «صدَّام وحيداً.. في حفرة الإستسلام للإحتلال».
وحول الضربة الماحقة للعراق من جانب الرئيس بوش المعزَّز بحلفاء بضع دول أجنبية وعربية من بينها مصر والسعودية وسوريا فكان تعامُل الصحافة المصرية موضوعياً على حساب المشاعر القومية والوطنية، ومثالاً على ذلك عناوين صحيفة «الجمهورية» في عدديْ السبت 18 يناير/ كانون الثاني والأحد 19 منه. وهذه العناوين هي: «تدمير القوة العسكرية للعراق. القضاء على الصواريخ والكيماوي والطيران والحرس الجمهوري« عدد السبت و«طائرات الحلفاء تطارد قواعد الصواريخ العراقية. أمريكا تزيد الطلعات الجوية إلى 3000 في يوم واحد» عدد الأحد.
هنا لا بد من ملاحظة وهي أن الرئيس حسني مبارك كان إنقلب على إنتماء مصر إلى «مجلس التعاون العربي» الذي يضم الملك حسين والرئيس عمر البشير والرئيس علي عبدالله صالح وجاء إنشاؤه بإقتراح وسعي من الرئيس صدَّام. لكن هذا الكيان تهاوى بعد غزو الكويت.
هنا أيضاً نُدرج كنموذج أيضاً للإعلام الموجَّه مانشيت الصفحة الأُولى من صحيفة «الشرق الأوسط» عدد الخميس 20 أكتوبر/تشرين الأول 2005، وهو: «صدَّام: أنا الرئيس.. مَن أنتم؟» مع صورة تمثِّل صدَّام واقفاً متحدثاً أمام قاضي المحكمة العراقية وحوله بعض أركان حُكمه الذين يخضعون للمحاكمة على «مجزرة الدجيل» وأبرزهم طه ياسين رمضان وعواد حمد البندر وبرزان التكريتي. أما مانشيت صحيفة «الحياة» في اليوم نفسه فكان: «صدَّام يتحدى المحكمة.. و «إغتيال» أبو جعفر المنصور».
كما على سبيل المثال مانشيت الصفحة الأُولى من صحيفة «الأهرام» عدد الخميس 19 يونيو/حزيران 1975 وهو: «إعدام قاتل الملك فيصل». وكذلك مانشيت صحيفة «الأخبار» وصحيفة «الجمهورية» في اليوم نفسه. مانشيت «الأخبار» «تشهد تنفيذ الإعدام بالسيف.. في الساحة الكبيرة أمام الجماهير». ومانشيت «الجمهورية» كان: «تنفيذ الإعدام في قاتل فيصل. أعلنت المحكمة الشرعية حُكمها في الصباح ونُفِّذ الإعدام علناً بعد ساعات بسيف من الذهب».
وكما عناوين مانشيتات صحف العراق لزيارة الملك فهد إلى بغداد ومنها إلى القاهرة كانت على درجة من التميز، فإن مانشيت عدد الثلاثاء 30 يوليو/تموز 1974 من صحيفة «عكاظ» عن زيارة سبق أن قام بها الملك فيصل إلى القاهرة كان على الدرجة نفسها من التميز، وهو: «لقاء الصمود والتحرير. جلالة الفيصل يزور مصر اليوم.. والدوائر العالمية تعلِّق أهمية بالغة على الزيارة. الجماهير الغفيرة تقضي الليل في مطار القاهرة إنتظاراً لوصول الفيصل القائد والأخ والصديق».